كيف طورت مصر قدراتها العسكرية خلال السنوات العشر الماضية؟

Wael hassan
المؤلف Wael hassan
تاريخ النشر
آخر تحديث

مقدمة: قلق متصاعد في إسرائيل

تصريح داني دانون، سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، في يناير 2025 لم يكن حدثاً عابراً. الرجل تحدث عن “قلق بالغ” من حجم الإنفاق العسكري المصري، متسائلاً عن دوافع امتلاك القاهرة غواصات حديثة ودبابات متطورة، رغم غياب تهديدات مباشرة. وأكد أن “درس السابع من أكتوبر 2023 علّم إسرائيل ضرورة مراقبة مصر عن كثب”.

القدرات العسكرية المصرية


هذا التصريح يعكس إدراكاً إسرائيلياً بأن مصر لم تعد في موقعها التقليدي كـ"قوة دفاعية" فقط، بل باتت تقترب من لعب دور إقليمي أكثر فعالية، وهو ما تبرزه الأرقام والتطورات الميدانية خلال العقد الماضي.

أولاً: مؤشرات الإنفاق والتسليح

  • وفق معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI):

    • زادت واردات مصر من الأسلحة بين 2016 – 2020 بنسبة 136% مقارنة بالفترة 2011 – 2015.

    • مصر جاءت في المرتبة الثالثة عالمياً من حيث استيراد الأسلحة.

  • بلغت قيمة بعض الصفقات الكبرى خلال العقد الماضي أكثر من 40 مليار دولار، موزعة بين فرنسا، روسيا، ألمانيا، إيطاليا، والولايات المتحدة.

  • سياسة التنويع جعلت مصر أكبر مستورد للأسلحة الفرنسية (2016–2020)، وأكبر زبون للسلاح الألماني (2021)، وأكبر مشترٍ للسلاح الإيطالي في العام نفسه.

ثانياً: سلاح الجو – التحول من الاعتماد إلى التعددية

صفقات رئيسية:

  • فرنسا:

    • 2015: 24 مقاتلة رافال بقيمة 5.2 مليار دولار.

    • 2021: 30 مقاتلة إضافية.

    • مصر أصبحت ثاني أكبر مشغّل للرافال بعد فرنسا بـ54 طائرة.

  • روسيا:

    • 2015: صفقة 46 مقاتلة ميغ-29 بقيمة 2 مليار دولار.

    • 2019: نحو 20 مقاتلة سوخوي-35 (مع خلافات حول التسليم بسبب تهديدات العقوبات الأميركية).

    • مروحيات كا-52 التمساح (أكثر من 40 طائرة).

  • الصين:

    • طائرات مسيّرة مسلحة (Wing Loong I/II) منذ 2018 لدعم العمليات في سيناء.

التحليل:

  • إدخال منصات متعددة (رافال، ميغ، سوخوي، مسيرات) أعطى القاهرة مرونة عملياتية وخفف من التبعية الأميركية.

  • لأول مرة منذ السبعينيات، تستطيع مصر مواجهة خصم محتمل بقدرات جوية متنوعة، تجمع بين مقاتلات متعددة المهام، ومروحيات هجومية، وطائرات مسيّرة.

ثالثاً: القوات البحرية – من قوة ساحلية إلى قوة إقليمية

صفقات رئيسية:

  • فرنسا:

    • حاملتا مروحيات ميسترال (تكلفة نحو 1 مليار دولار).

    • فرقاطات حديثة (مثل FREMM).

  • ألمانيا:

    • 4 غواصات حديثة (Type 209/1400mod) بقيمة 1 مليار يورو.

  • إيطاليا:

    • صفقات تجاوزت 10 مليارات يورو (فرقاطات FREMM، كورفيتات، أنظمة بحرية أخرى).

التحليل:

  • البحرية المصرية أصبحت الأكبر في الشرق الأوسط وأفريقيا.

  • القدرة على الانتشار السريع في البحر المتوسط والبحر الأحمر أعطت القاهرة دوراً استراتيجياً في تأمين الممرات البحرية، خصوصاً قناة السويس وباب المندب.

  • دخول الميسترال جعل مصر الدولة الوحيدة في المنطقة القادرة على تنفيذ عمليات إنزال برمائي على نطاق واسع.

رابعاً: القوات البرية والدفاع الجوي – تعزيز العمود الفقري

القوات البرية:

  • استمرار إنتاج دبابات M1A1 Abrams محلياً (خط إنتاج مشترك مع الولايات المتحدة).

  • 2024: صفقة تطوير بقيمة 4.6 مليار دولار.

  • اتفاق مع روسيا لتجميع 500 دبابة بنسبة تصنيع محلي تصل إلى 70%.

الدفاع الجوي:

  • إدخال منظومات بعيدة ومتوسطة المدى منذ 2015 (بينها أنظمة روسية متطورة).

  • تعزيز قدرات الرصد والاعتراض ضد الطائرات المقاتلة والصواريخ والطائرات المسيّرة.

التحليل:

  • مصر حافظت على مكانة قواتها البرية كأكبر قوة مدرعة في المنطقة.

  • منظومات الدفاع الجوي المصرية جعلت مجالها الجوي أحد أكثر الأجواء تحصيناً في الشرق الأوسط.

خامساً: الصناعة الدفاعية – بداية طريق الاكتفاء الجزئي

  • 2022: اتفاقية مع شركة نافي ستار الأميركية لتطوير التصنيع العسكري المشترك.

  • منتجات محلية: راجمة صواريخ رعد 200، والطائرة المسيّرة نوت.

  • فتح المجال للقطاع الخاص للاستثمار في الصناعات الدفاعية.

  • الهدف: توطين التكنولوجيا، تقليل الاعتماد على الاستيراد، وتعزيز فرص التصدير.

سادساً: القواعد الاستراتيجية – تثبيت العمق العسكري

  • قاعدة محمد نجيب (2017): أكبر قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط وأفريقيا.

  • قاعدة برنيس (2020): على البحر الأحمر، بمرافق جوية وبحرية متكاملة.

  • قاعدة 3 يوليو (2021): قرب الحدود الليبية، بمساحة 10 ملايين م².

التحليل:

  • هذه القواعد ليست رمزية بل عملياتية، إذ تمنح الجيش المصري قدرة على الانتشار السريع والاستجابة للأزمات.

  • تمثل مراكز ثقل جديدة تمنح القاهرة خيارات استراتيجية أوسع في البحر المتوسط، البحر الأحمر، والجبهة الغربية.

سابعاً: التداعيات الإقليمية والدولية

  • إسرائيل: ترى في هذه التطورات تهديداً محتملاً وتطالب بزيادة اليقظة.

  • الولايات المتحدة: تدعم التعاون العسكري لكنها قلقة من صفقات مصر مع روسيا والصين.

  • الاتحاد الأوروبي: ينظر إلى مصر كشريك استراتيجي في مواجهة الإرهاب وحماية طرق الملاحة.

  • الإقليم العربي: بعض الدول تعتبر مصر "قوة استقرار"، بينما تخشى أخرى من عودة دورها القيادي بشكل أكبر.

جداول مقارنة (ملخص قدرات قبل وبعد 2014)

المجال قبل 2014 بعد 2014 – 2025 التغيير
القوات الجوية اعتماد شبه كامل على F-16 رافال، ميغ-29، سوخوي-35، مسيّرات صينية تنويع غير مسبوق
القوات البحرية فرقاطات محدودة وقديمة ميسترال، غواصات ألمانية، فرقاطات إيطالية نقلة نوعية إقليمية
القوات البرية إنتاج جزئي لأبرامز تطوير أبرامز + تجميع دبابات روسية تعزيز محلي
الدفاع الجوي أنظمة تقليدية منظومات بعيدة ومتوسطة المدى قوة ردع متنامية
الصناعة الدفاعية إنتاج محدود اتفاقيات تصنيع + منتجات محلية (رعد 200، نوت) بداية اكتفاء جزئي
القواعد العسكرية بنى أساسية محدودة محمد نجيب، برنيس، 3 يوليو انتشار استراتيجي

الخلاصة: عقد إعادة التوازن العسكري

على مدى عقد واحد، أعادت مصر صياغة منظومتها العسكرية بالكامل. لم يعد الجيش المصري مجرد قوة دفاعية تقليدية، بل أصبح قوة متعددة الأبعاد قادرة على العمل في البر والبحر والجو، مع صناعة محلية آخذة في النمو، وبنية تحتية قادرة على دعم الانتشار الاستراتيجي.


هذا التطور جعل القاهرة لاعباً محورياً في موازين القوى بالشرق الأوسط، وأثار قلقاً متزايداً لدى إسرائيل، في حين ينظر إليه آخرون كعامل استقرار ضروري. وفي النهاية، تبقى كيفية إدارة هذه القوة هي المحدد الرئيسي لمستقبل الدور المصري في المنطقة خلال العقد المقبل.

تعليقات

عدد التعليقات : 0