في عالم لا تُخاض فيه كل الحروب بالسلاح، تبرز معارك من نوع آخر... حروب تُدار في الخفاء، بصمت، ودهاء. إنها حروب المخابرات، حيث تُصبح المعلومة أقوى من الرصاصة، والخداع أشرس من الجيوش.
من بين هذه الحكايات، تبرز قصة جمعة الشوان، واحدة من أخطر وأذكى عمليات المخابرات المصرية، واللي تحولت إلى كابوس لجهاز الموساد الإسرائيلي.
من السويس تبدأ الحكاية
ولد أحمد محمد عبد الرحمن الهوان، المعروف باسم "جمعة الشوان"، في مدينة السويس عام 1939. المدينة التي كانت في قلب الحدث على خط النار، وشهدت الاحتلال والمقاومة والنكسة.
وبعد نكسة يونيو 1967، قرر الشوان، كغيره من شباب مصر، أن يبحث عن عمل خارج البلاد، فتوجه إلى اليونان... وهناك بدأت القصة التي لم يتوقع أحد أنها ستدخل التاريخ.
في أثينا: المصيدة تبدأ بالمال والنساء
في أثينا، التقى الهوان برجل يُدعى "أبو يعقوب"، بدا ودودًا ومهذبًا، يطرح أسئلة كثيرة عن الجيش المصري والمخابرات.
شيئًا فشيئًا، بدأت الهدايا تنهال عليه، وظهر في حياته نساء جميلات مثل "جودي" و"داليا".
ساعات فاخرة، شقة فخمة، سيارة، ووعود بالثراء والراحة.
لكن الشوان التقط الإشارة: إنه يُستهدف من قبل الموساد في عملية تجنيد مدروسة بإحكام.
الاختيار المصيري: خيانة أم ولاء؟
كان أمامه خياران:
-
أن يخضع ويقبل العرض، مقابل حياة مريحة ومليئة بالإغراءات.
-
أو أن يعود إلى بلده ويُبلغ المخابرات، ويخوض مغامرة قد تُكلّفه حياته.
اختار الشرف والولاء، وعاد إلى القاهرة، متوجهًا مباشرة إلى مبنى المخابرات العامة المصرية، وقال عبارته التي غيّرت مجرى حياته:
"أنا اتعرضت للتجنيد من الموساد... وعايز أخدم بلدي."
التحول إلى عميل مزدوج
قررت المخابرات المصرية استغلال الموقف، وتم تحويل جمعة الشوان إلى عميل مزدوج.
عاد إلى اليونان وبدأ في تمرير معلومات مضللة، لكن مصاغة بحنكة تجعلها تبدو حقيقية.
ومع الوقت، وثق به الموساد، ومنحوه تدريبات عالية المستوى في تل أبيب، بل اعتبروه من أهم عملائهم العرب.
النساء... السلاح السري للموساد
استخدم الموساد النساء كسلاح نفسي وعاطفي بالغ الخطورة.
من بينهن "يائيل"، التي قدمت نفسها كفتاة عاشقة، وعرضت عليه الزواج، لكن الشوان كان دائمًا متيقظًا:
كل لمسة قد تكون فخًا، وكل ابتسامة خلفها كاميرا، وكل وعد يخفي ورقة تجنيد أو ابتزاز.
السلاح الذهبي: جهاز الإرسال المتطور
أحد أخطر ما حصل عليه الشوان من الموساد كان جهاز إرسال فائق التطور، يستطيع إرسال البيانات من أي مكان في العالم.
هذا الجهاز تم تفكيكه وتحليله في مصر، وساعد بشكل مباشر في تطوير أساليب الحرب الإلكترونية قبل وأثناء حرب أكتوبر 1973.
نهاية اللعبة: الموساد يبتلع الطُعم
حتى عام 1973، ظل الموساد مقتنعًا أن الشوان "كنز استخباراتي"، وخططوا لتهريبه إلى إسرائيل ليعيش هناك.
لكن بعد نصر أكتوبر، قررت المخابرات المصرية كشف القصة، وتم تجسيدها في مسلسل "دموع في عيون وقحة" من بطولة عادل إمام.
رد فعل إسرائيل ومحاولات الانتقام
كانت الصدمة كبيرة.
الموساد شعر بالإهانة. كيف لرجل وثقوا به، دربوه، وأحبوه، أن يكون ضدهم؟
تعرض الشوان بعد ذلك لتهديدات متكررة، ومحاولات اغتيال، لكنه ظل محميًا حتى وفاته في عام 2011.
الخاتمة: درس في الولاء والانتماء
ليست قصة جمعة الشوان مجرد حكاية تجسس.
إنها درس في الوطنية، والانتماء، والثبات أمام الإغراء والتهديد.
لقد استخدم المال والنساء ضده، لكنه قلب الطاولة، وجعل أدوات العدو تخدم وطنه.
✍️ سؤال للقارئ:
هل تعتقد أن زمن الجواسيس قد انتهى؟
أم أن الحروب ما زالت تُخاض اليوم... ولكن بأدوات جديدة؟
شاركنا رأيك في التعليقات، ولا تنسَ مشاركة القصة لتعرف الأجيال القادمة أن في يومٍ من الأيام...
شابًا مصريًا بسيطًا، وقف في وجه إسرائيل، وانتصر.