القاهرة تسعى لتحديث قوتها الجوية... ولكن بأي ثمن؟
تخوض مصر مفاوضات معقدة لاقتناء مقاتلات "يوروفايتر تايفون" الأوروبية، في خطوة تُظهر رغبة جادة في تحديث سلاح الجو ورفع قدراته الردعية في منطقة تُعاني من اضطرابات متزايدة.
الصفقة التي يجري التفاوض بشأنها مع إيطاليا، تتضمن شراء 24 طائرة بقيمة تقارب 3 مليارات دولار، ما يشكل نقلة استراتيجية كبرى للقوات الجوية المصرية.
"تايفون": مقاتلة أوروبا المتقدمة وأمل القاهرة الجديد
تُعد "يوروفايتر تايفون" رمزًا للتعاون الصناعي الأوروبي، بمشاركة شركات من بريطانيا، إيطاليا، ألمانيا، وإسبانيا. وتتميز الطائرة بقدرات عالية في المناورة، وإلكترونيات طيران متطورة، وتصميم ديناميكي يدمج أجنحة دلتا مع أجنحة أمامية (canard)، ما يمنحها أداءً فائقًا في معارك التفوق الجوي والضربات الدقيقة.
الصاروخ الغائب: "ميتيور" وقلق إسرائيل من تفوق مصري محتمل
رغم الفوائد الكبيرة لطائرة "تايفون"، فإن الصفقة تواجه تحديًا حاسمًا: استبعاد صواريخ "ميتيور" الأوروبية من الحزمة التسليحية، بسبب اعتراضات إسرائيلية متكررة. هذه الصواريخ تُعد من أخطر أسلحة الاشتباك بعيد المدى (BVR)، وتُشكّل عنصرًا ردعيًا قد يُقلق تل أبيب بشدة، نظرًا لقدرتها على تهديد حتى مقاتلات الشبح الإسرائيلية F-35.
"الميتيور" – سلاح لا يُمنح بسهولة
طُوّر صاروخ "ميتيور" من قبل شركة MBDA الأوروبية، وهو يستخدم محركًا نفاثًا (Ramjet) يوفّر له مدى يتجاوز 200 كلم، مع قدرة عالية على المناورة، ومنطقة قتل تُعرف بـ"منطقة اللاهروب". غير أن القيود السياسية – خصوصًا من جانب إسرائيل – تفرض عوائق متكررة على تصدير هذا النوع من الذخائر لمصر.
تل أبيب والفيتو الدائم: عقبة في وجه التسليح المصري
تعتمد إسرائيل على مبدأ "التفوق العسكري النوعي" (QME) المدعوم أمريكيًا وأوروبيًا، لرفض بيع الأسلحة المتطورة لجيرانها، خصوصًا مصر. وقد نجحت تل أبيب سابقًا في استبعاد صواريخ "ميتيور" من صفقة مقاتلات "رافال" الفرنسية إلى القاهرة، وتُكرر الآن نفس النهج في صفقة "تايفون".
هل تُعوّض مقاتلات F-15 الأمريكية غياب “الميتيور”؟
في موازاة مفاوضاتها الأوروبية، اقتربت القاهرة من تحقيق اختراق في التعاون الدفاعي مع واشنطن، بعد إعلان أمريكي عام 2022 عن نية تزويد مصر بمقاتلات F-15، وهي من أقوى مقاتلات السيادة الجوية في العالم. الصفقة، رغم أهميتها، ما تزال تواجه عراقيل سياسية في الكونغرس الأمريكي بسبب تصاعد التوتر في المنطقة.
ذخائر المعارك الحديثة: “AMRAAM” تحت الحظر أيضًا
تمامًا كما هو الحال مع “الميتيور”، تُواجه مصر قيودًا أمريكية على صواريخ AIM-120 AMRAAM، والتي تُشكّل العمود الفقري للقتال الجوي بعيد المدى في حلف الناتو. فبدون هذه الذخائر المتطورة، تفقد المقاتلات مثل F-15 أو تايفون جزءًا كبيرًا من فعاليتها القتالية.
غياب الذخائر الدقيقة... نقطة ضعف قاتلة
من دون صواريخ BVR المتقدمة، تُصبح المقاتلات المصرية مجبرة على خوض معارك جوية ضمن مدى قريب، حيث تزداد المخاطر وتنخفض احتمالات النجاة. ما يعني أن امتلاك الطائرات وحده لا يكفي، فالتفوق الجوي الحقيقي يبدأ من الذخائر الذكية، وليس فقط من المنصات الطائرة.
مصر بين حلفاء الغرب وضغوط اللوبي الإسرائيلي
رغم العلاقات الوثيقة التي تربط مصر بكل من الولايات المتحدة ودول أوروبا، إلا أن جماعات الضغط الإسرائيلية ما تزال تتمتع بتأثير كبير في العواصم الغربية، وتُمارس نفوذًا واضحًا لمنع تسليم ذخائر متطورة للقاهرة. الأمر الذي يُقيد طموحات مصر في تحديث سلاحها الجوي بصورة كاملة.
القاهرة تلعب على حبل التنوع العسكري
في خضم هذه التحديات، تنتهج مصر سياسة تنويع مورّدي السلاح. فقد أصبحت الدولة الوحيدة التي تُشغّل مقاتلات متقدمة من فرنسا (رافال)، وأمريكا (F-15/F-16)، وروسيا (ميغ-29 وسو-35)، وأوروبا (تايفون)، ما يمنحها هامشًا واسعًا للمناورة السياسية والعسكرية، رغم ما يسببه هذا التنوع من تعقيدات في الصيانة والدعم الفني.
تحديث بلا ذخيرة؟ معضلة المستقبل العسكري لمصر
في ظل حرمان القاهرة من صواريخ الميتيور والأمرام، يبقى تحديث سلاح الجو المصري منقوصًا، ومُقيّدًا بقيود تسليحية تعود إلى حسابات جيوسياسية أكثر من كونها فنية. الطائرات الحديثة وحدها لا تضمن النصر، بل ما يرافقها من ذخائر ذكية هو ما يصنع الفرق الحقيقي في ميادين القتال.
اللحظة الفاصلة... ورسالة القاهرة إلى الإقليم
إذا نجحت مصر في إتمام صفقتي "تايفون" و"F-15"، فستدخل مرحلة جديدة من التفوق العسكري، تُرسل فيها رسالة واضحة إلى الإقليم بأنها لا تزال فاعلًا مركزيًا، يمتلك أدوات الردع، والتأثير في موازين القوى. لكنها تبقى أمام معركة دبلوماسية شرسة، لا تقل صعوبة عن معارك الجو... وهي معركة كسر القيود المفروضة على الذخائر الحاسمة.