التحالف الإسلامي ضد إسرائيل: هل يسعى إردوغان لقيادة جديدة في الشرق الأوسط؟

Wael hassan
المؤلف Wael hassan
تاريخ النشر
آخر تحديث


 يبدو أن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، قرر أن يلعب ورقته الجديدة، داعيًا لتشكيل تحالف إسلامي ضد إسرائيل، وكأنه يحاول تحريك المياه الراكدة في المشهد السياسي الإقليمي.

هذه الدعوة تأتي في وقت حساس، وسط تصاعد التوترات في الشرق الأوسط وتفاقم الحرب في غزة. ولكن، هل هذه الدعوة قابلة للتطبيق على أرض الواقع؟ وهل تحمل هذه التحركات أهدافًا استراتيجية أعمق مما تبدو عليه في الوهلة الأولى؟ دعونا نحلل الموقف ونغوص في خلفياته السياسية والدبلوماسية.

التحالف الإسلامي ضد إسرائيل: فكرة جديدة أم تكرار لسيناريوهات سابقة؟

لا يمكن إنكار أن فكرة تشكيل تحالف إسلامي ضد إسرائيل ليست جديدة تمامًا على الساحة السياسية، فقد سبق لرؤساء وزراء ومسؤولين أتراك في مراحل سابقة أن أطلقوا دعوات مشابهة. لكن الجديد في دعوة إردوغان هذه المرة هو التوقيت والسياق الدولي والإقليمي. فإردوغان لم يكتفِ بإطلاق الدعوة من منصة إعلامية، بل ربطها بخطوات عملية بدأت بلاده بالفعل في اتخاذها، مثل تحسين العلاقات مع دول عربية كبرى مثل مصر وسوريا.



إردوغان قال مؤخرًا: "يجب على الدول الإسلامية أن تتحد لمواجهة التهديد التوسعي المتزايد لإسرائيل." تصريح مثير جاء بعد خطوات متعددة لتحسين العلاقات بين تركيا وجيرانها في المنطقة، خاصة بعد استقباله للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي في العاصمة التركية أنقرة. هذه الدعوة تطرح أسئلة حول مدى جدية تركيا في تشكيل تحالف فعلي، وما إذا كانت الدول الإسلامية الأخرى مستعدة للانضمام إلى هذه المبادرة.

هل التحالف الإسلامي قابل للتنفيذ؟

رغم أن الدعوة تبدو جذابة على الورق، فإن التحديات التي تواجه تشكيل مثل هذا التحالف كبيرة. يرى المحللون أن التباينات السياسية والمصالح المتضاربة بين الدول الإسلامية قد تجعل من هذه الفكرة مجرد حلم سياسي صعب التحقيق. فهناك "هوّة كبيرة" بين ما يقوله إردوغان وبين الواقع على الأرض، حيث تعاني المنطقة من صراعات داخلية وأزمات معقدة تجعل من الصعب توحيد الجهود تحت مظلة واحدة.

من جهة أخرى، يعتقد الباحثون أن تحركات إردوغان تعكس رغبة تركيا في تعزيز دورها القيادي في الشرق الأوسط، خاصة مع تنامي نفوذ قوى إقليمية أخرى مثل إيران. ففي ظل تصاعد الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، تسعى أنقرة إلى لعب دور الوسيط والقائد الإسلامي الذي يجمع الدول الإسلامية حول قضية واحدة، وهي دعم الفلسطينيين في مواجهة التوسع الإسرائيلي.

هل هناك أهداف أخرى وراء الدعوة؟

من الجدير بالذكر أن توقيت دعوة إردوغان ليس عشوائيًا. فهي جاءت في ظل التوترات المتزايدة في غزة، حيث تصاعدت الحرب بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية بشكل كبير. الباحث في الشأن التركي، محمود علوش، يشير إلى أن دعوة إردوغان تأتي في سياق محاولة تركيا تعظيم دورها الإقليمي واستغلال الفراغ الذي خلفته القوى الدولية الأخرى، خصوصًا الولايات المتحدة، التي تبدو عاجزة عن التوصل إلى حل دائم للصراع.

ويرى علوش أن دعوة إردوغان تعكس مقاربة تركيا لقضية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي من منظور الحاجة إلى وحدة إسلامية تدعم الفلسطينيين في هذه الحرب. ويرى أن تركيا تسعى إلى تعزيز علاقاتها مع القوى العربية الفاعلة في المنطقة كوسيلة لتوسيع نفوذها.

هل هناك ردود فعل من إسرائيل؟

من الجانب الآخر، لم تكن هناك ردود فعل رسمية ملحوظة من جانب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي على هذه الدعوة. لكن وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، وصف تصريحات إردوغان بأنها "كذبة خطيرة وتحريض واضح". هذا الرد يعكس قلقًا إسرائيليًا من تحركات تركيا الأخيرة، لا سيما في ظل العلاقات المعقدة بين البلدين، التي شهدت مراحل متوترة على مدى السنوات الأخيرة.

يعتقد كاتس أن الرئيس التركي يعمل بالتنسيق مع إيران لتقويض الأنظمة العربية المعتدلة في المنطقة، في إشارة إلى المحاولات المستمرة من تركيا لتعزيز نفوذها في العالم العربي، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد الإقليمي.

التصعيد التركي ضد إسرائيل: سياسة ثابتة أم رد فعل مؤقت؟

منذ بداية الحرب في غزة، اتبعت تركيا سياسة تصعيدية تدريجية ضد إسرائيل. ووصل هذا التصعيد إلى ذروته عندما قطعت تركيا جميع التعاملات التجارية مع إسرائيل قبل بضعة أشهر، في خطوة تعتبر الأكثر حدة في العلاقات بين البلدين. لكن، إلى جانب التصعيد الدبلوماسي والاقتصادي، واصل إردوغان إصدار تصريحات لاذعة ضد إسرائيل في كل فرصة تتاح له، منتقدًا بشدة سياسات إسرائيل العسكرية في غزة.

ولم يكن إردوغان وحده في هذه المعركة الكلامية، حيث انضم إليه زعيم حزب "الحركة القومية"، دولت باهتشلي، الذي دعا في تصريحاته الأخيرة إلى إنشاء ميثاق القدس، كمبادرة تركية للرد على الهجمات الإسرائيلية على غزة. هذه الدعوات قد تبدو شعارات حماسية أكثر من كونها خطوات عملية، لكنها تشير إلى أن هناك توجها تركيًا نحو تصعيد الضغط على إسرائيل، سواء عبر التحالفات الدبلوماسية أو السياسات الاقتصادية.

التوقيت: دلالة واضحة على الأهداف السياسية؟

التوقيت الذي اختاره إردوغان لإطلاق هذه الدعوة له دلالة خاصة، حيث تأتي في وقت ارتفعت فيه حصيلة القتلى من المدنيين في غزة، وتصاعدت المخاوف من أن الحرب قد تمتد إلى مناطق أخرى في الشرق الأوسط. كما أن التوقيت يتزامن مع تحركات دبلوماسية نشطة لتركيا، من بينها حضور وزير خارجيتها، حقان فيدان، للقمة العربية التي تستضيفها القاهرة، وهي خطوة هي الأولى من نوعها منذ 13 عامًا.

تسعى تركيا في هذه المرحلة إلى استعادة مكانتها كقوة إقليمية مؤثرة، وتجنب أن تتحول الحرب الإقليمية إلى كارثة تؤثر على اقتصادها واستقرارها الداخلي. من هذا المنطلق، تدعو تركيا الدول الإسلامية إلى تعزيز قدراتها على الردع والضغط على إسرائيل.

ماذا عن سوريا ومصر؟

لا يمكن إغفال التحركات التركية تجاه إعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري، رغم الخلافات المستمرة حول العديد من الملفات. تركيا تدرك جيدًا أن التعاون مع سوريا ومصر سيكون حيويًا في أي تحالف إسلامي محتمل ضد إسرائيل. كلا البلدين يحتلان مواقع استراتيجية فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وتركيا تسعى إلى أن تكون تلك الدول جزءًا أساسيًا من التحالف الإسلامي الذي تحاول تشكيله.

هل الفكرة قابلة للتنفيذ؟

أخيرًا، ومع كل هذه التحركات والدعوات، يبقى السؤال الأهم: هل التحالف الإسلامي قابل للتطبيق؟
يرى العديد من المحللين أن هذا التحالف سيظل أقرب إلى الخيال السياسي منه إلى الواقع العملي. فالعلاقات المتشابكة والمعقدة بين الدول الإسلامية، بالإضافة إلى المنافسات الإقليمية، تجعل من الصعب تحقيق وحدة حقيقية قادرة على مواجهة التحديات التي تواجه المنطقة.

في نهاية المطاف، قد تكون دعوة إردوغان جزءًا من استراتيجيته لتعزيز مكانة تركيا في المنطقة، لكنها أيضًا تعكس رغبة في التحرك نحو سياسات إقليمية جديدة قد تكون ضرورية لمواجهة التحديات المقبلة.

تعليقات

عدد التعليقات : 0